المغرب تحت نظام الحماية

أكتوبر 03, 2019
 المغرب تحت نظام الحماية 


 المغرب تحت نظام الحماية
تقديم إشكالي:

تعمقت الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالمغرب مند مطلع القرن 20م، وساهمت الدول الأوربية بقسط كبير في تلك الأزمات التي أفضت بالمغرب إلى سقوطه تحت الحماية الفرنسية والأسبانية.
فما هو السياق العام الذي فرضت فيه الحماية على المغرب؟
وما هي أجهزة ومؤسسات نظام الحماية بالمغرب؟
وما هو رد فعل المغاربة تجاه هذا النظام؟
І – السياق العام لفرض عقد الحماية على المغرب:
1 – الظروف العامة لفرض عقد الحماية على المغرب:
1 – 1 – العوامل الخارجية التي ساهمت في فرض نظام الحماية على المغرب:
أقدمت فرنسا عند مطلع القرن 20م على أبرام سلسلة من الصفقات السرية مع الدول الإمبريالية التي كانت تنافسها على المغرب:
اتفاق فرنسا وإيطاليا سنة 1902م: تنازلت فيه بمقتضاه فرنسا لإيطاليا عن ليبيا مقابل المغرب.
اتفاق فرنسا وبريطانيا في 8 أبريل 1904م: تنازلت فيه بمقتضاه فرنسا لبريطانيا عن مصر مقابل حرية تصرف فرنسا في المغرب.
اتفاق فرنسا وإسبانيا في أكتوبر 1904م: تقسيم المغرب بين فرنسا وإسبانيا، بحيث يخضع الشمال لإسبانيا والوسط لفرنسا وجعل طنجة دولية.
1 – 2 -العوامل الداخلية التي ساهمت في فرض نظام الحماية على المغرب::
ساءت الأحوال العامة بالمغرب عند مطلع القرن 20م بسبب تراكم العديد من المشاكل والأزمات، فأفرزت وضعية اقتصادية واجتماعية وسياسية مزرية:
الوضعية الاقتصادية والمالية: ثقل الديون الخارجية بسبب سياسة الاقتراض من الدول الأوربية وخاصة فرنسا، وامتناع المحميين عن دفع الضرائب، وعدم تطبيق سياسة الترتيب الهادفة إلى الإصلاح الجبائي.
الوضعية الاجتماعية: نقص المواد الغذائية، وإفلاس الفلاحين، وانتشار الكوارث الطبيعية (الجفاف، الجراد ، المجاعة …)، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض.
الوضعية السياسية: واجهت السلطة المركزية اندلاع الثورات والتمردات القبلية ضد المخزن أبرزها ثورة الجيلالي بن ادريس الزرهوني (بوحمارة) الذي اعتبر نفسه الأصلح لحكم المغرب، وثورة الريسوني، وعزل السلطان المولى عبد العزيز، كما أدى قبول المولى عبد العزيز لمقررات الجزيرة الخضراء إلى عزله ومبايعة أخيه المولى عبد الحفيظ 1908م، الذي رأى فيه المغاربة رمزا لمقاومة التدخل الأجنبي، إلا أن الضغط الدولي، وعدم اعتراف فرنسا بشرعيته وسقوطه في فخ القروض جعله يهادن الفرنسيين، مما أثار غضب المغاربة فحاصروا القصر الملكي بفاس، مما جعل الجيش الفرنسي يتدخل بدعوى حماية السلطان، وأجبرته على توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912م.
2 – بنود عقد الحماية التي فرضت على المغرب بفاس يوم 30 مارس 1912م:
وقع السلطان مولاي عبد الحفيظ والسفير الفرنسي «رينو Regnault» عقد الحماية بمدينة فاس يوم 30 مارس 1912م، وقد اتفق الطرفين على ما يلي:
تأسيس نظام جديد تنجز بموجبه فرنسا الإصلاحات النافعة للمغاربة.
حراسة فرنسا للتراب المغربي برا وبحرا.
تعهد فرنسا بحماية أمن وسلامة ومهام السلطان.
اشراك السلطان وولاته في الأقاليم في تنفيذ نظام الحماية.
تعيين فرنسا مقيما عاما لها في المغرب وتمتعيه بصلاحيات عامة.
رعاية فرنسا لشؤون المغرب وجالياته في الخارج.
إشراف فرنسا على طلبات المغرب للقروض.
قيام فرنسا بالتفاوض مع إسبانيا.
الإبقاء على طنجة كمنطقة دولية.
هكذا وبفرض نظام الحماية فقد المغرب سيادته وحقه في تسيير شؤونه العامة بنفسه لصالح الحمايتين الفرنسية في الوسط والاسبانية في الشمال والجنوب وسلطة دولية في طنجة، ليصبح له في شخص السلطان وخليفته دورا شكليا مجردا من الصلاحيات.
II – الوضع السياسي بالمغرب خلال عهد الحماية:
1 – مراحل الاحتلال الاستعماري للمغرب:
يمكن تحديد مراحل الاحتلال العسكري للمغرب على النحو الآتي:
قبل 1912م: احتلت فرنسا المغرب الشرقي والمناطق الممتدة من الدار البيضاء إلى فاس.
في الفترة 1912 – 1914م: سيطرت فرنسا على المناطق الواقعة غرب جبال الأطلس.
في الفترة 1914 – 1920م: استولت فرنسا على الأطلس المتوسط والأطلس الكبير.
في الفترة 1921 – 1926م: احتلت إسبانيا المنطقة الشمالية.
في الفترة 1931 – 1934م: استولت فرنسا وإسبانيا على المناطق الصحراوية.
وقد اعتمد الاحتلال العسكري للمغرب على عدة وسائل، من أبرزها:
جيش ضخم مجهز بأسلحة حديثة.
سياسة الأرض المحروقة (إحراق المحاصيل الزراعية لتجويع السكان، ولإرغام المقاومين على الاستسلام).
نهج سياسة بقعة الزيت (بث النزاعات القبلية).
الاعتماد على الأعيان الذين يمثلون عملاء الاستعمار وعلى رأسهم الكلاوي.
2 – التقسيم الاستعماري للتراب المغربي في عهد الحماية:
قسم المغرب إلى ثلاث مجالات أساسية:
منطقة نفوذ الحماية الفرنسية: بوسط البلاد، والذي تم تقسيمه إلى جهات مدنية (وجدة، والرباط، والدار البيضاء)، وجهات عسكرية (فاس، ومكناس، ومراكش وأكادير).
منطقة نفوذ الحماية الإسبانية: بالشمال (جبالة، غمارة، الريف …)، وبالجنوب المغربي (الساقية الحمراء، ووادي الذهب …).
نطقة نفوذ النظام الدولي: بطنجة.
III – الأجهزة الإدارية لنظام للحماية ووظائفها:
1 – الأجهزة الإدارية للحماية الفرنسية بالمغرب:
أحدثت فرنسا إدارة فرنسية لترسيخ سلطتها مع الاحتفاظ بالأجهزة المخزنية التي تمثل الإدارة المغربية، وقد توزعت بين إدارة مركزية وإقليمية ومحلية:
على المستوى المركزي: يمثل المقيم العام الجمهورية الفرنسية بالمغرب، يسير المصالح الإدارية والعسكرية ويسن القوانين ويصادق عليها، وبذلك كان له مطلق الصلاحيات، يساعده كاتب عام يشرف على جميع الإدارات، إضافة إلى المديرين يتولون رئاسة المديريات التقنية (الصحة، التعليم، الفلاحة، الصناعة، البريد …)، والمديريات السياسية (الداخلية: تراقب السلط جهويا ومحليا، والأمنية: تراقب أفكار المغاربة وتقمع المعارضين)، ثم مديرية الشؤون الشريفة (تراقب وظائف المخزن، وتقدم القرارات للسلطان والصدر الأعظم)، بالمقابل اكتفى السلطان المغربي بالسلطة الدينية، وبالتوقيع على القوانين التي يصدرها المقيم العام الفرنسي بالمغرب، وبحلول 1925م تحولت الحماية إلى إدارة مباشرة تتخد القرارات متجاوزة الإدارة المغربية عكس ما كانت تصرح به سلطات الحماية في شخص مقيمها العام (ليوطي أول مقيم عام 1912- 1925م) أن الإدارة تتم بمؤسسات وحكومة وإدارة البلد، وتحت السلط العليا للسلطان، وتحت الإشراف البسيط لفرنسا.
على المستوى الإقليمي والجهوي: قسمت منطقة النفوذ الفرنسي إلى سبعة أقاليم يرأس كل منها موظف سام فرنسي.
على المستوى المحلي: قسم كل إقليم إلى دوائر حضرية وقروية يرأس كل منها موظف مغربي يعرف باسم الباشا أو القائد.
‌2 – الأجهزة الإدارية بمنطقة الحماية الإسبانية:
تميزت الأجهزة الإدارية للحماية الإسبانية بالمغرب بازدواجية الإدارة موزعة بين الإدارة الاستعمارية الفعلية والإدارة المخزنية المغربية الشكلية، مركزيا ومحليا:
على المستوى المركزي: عينت إسبانيا مندوبا ساميا للإشراف على تسيير شؤون المنطقة الشمالية (الخليفية)، يستعين بمجموعة من الأجهزة الإدارية في شكل نيابات (الأمور الأهلية: التعليم، الصناعة، الفلاحة، الصحة، المالية …)، وهو الذي احتكر السلطة الفعلية تاركا السلطة الشكلية لخليفة السلطان.
على المستوى المحلي: كان القنصل الإسباني يشرف على المدن التي يحكمها الباشوات، كما كان الضابط العسكري الإسباني يشرف على البوادي التي يرأسها القواد.
‌3 – الأجهزة الإدارية بالمنطقة الدولية:
تمثلت الأجهزة الدولية في السلطة التشريعية المشكلة من:
المجلس التشريعي: يتكون من 18 نائبا أجنبيا و6 مغاربة مسلمين و3 مغاربة يهود، يتكفل بسن القوانين التنظيمية.
السلطة التنفيذية: تتكون من حاكم المدينة ونواب المجلس التشريعي، تكفلت بتعيين الموظفين الكبار، وبتنفيذ قرارات السلطة التشريعية، والحفاظ على الأمن العام.
السلطة القضائية: تشكلت من 7 قضاة الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء، تكفلت بالفصل في النزاعات الجنائية والتجارية بالمدينة.
بينما تشكلت الاجهزة المخزنية من:
مندوبية السلطان: المكونة من مندوب السلطان والقاضي وموظفو الاحباس، وكانت تحرص على شؤون المغاربة وتلزمهم باحترام النظام الدولي.
IV – المقاومة المسلحة ودورها في مواجهة الاحتلال الأجنبي بالمغرب:
1 – مظاهر المقاومة المسلحة المغربية للاحتلال الفرنسي:
انطلقت ردود الفعل المغربية إزاء التدخل الفرنسي والإسباني بالمغرب بمجرد توقيع مهاهدة الحماية بفاس يوم 30 مارس 1912م على شكل تمرد عام الذي تحول إلى مقاومة مسلحة عمت جميع أنحاء البلاد الى غاية 1934م:
قبائل الجنوب والصحراء: انطلقت المقاومة الجنوبية من الصحراء المغربية بزعامة أحمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين، وأخوه مربيه ربه، وتصدت هذه المقاومة للجيش الفرنسي في شمال مراكش، وبسبب اختلاف موازين القوة انهزم المغاربة في معركة سيدي بوعثمان يوم 06 شتنبر 1912م، وبعدها عاد المجاهدون لمواصلة المقاومة بالجنوب المغربي إلى غاية وفاة مربيه ربه سنة 1934م.
قبائل الأطلس المتوسط: قاد موحا أوحمو الزياني قبائل زيان بخنيفرة بالأطلس المتوسط، واستطاعوا بفضل شجاعتهم وخططهم الحربية الانتصار الساحق على الفرنسيين، حيث قتل وأسر كبار قادة الجيش في معركة الهري يوم 13 نونبر 1913م.
قبائل الأطلس الكبير والصغير: قاد المجاهد عسو أوبسلام قبائل آيت عطا بالأطلس الكبير، ورغم استعمال الجيش الفرنسي للطائرات والمدافع والقنابل، فإن المقاومين صمدوا في معركة بوغافر من 12 فبراير إلى 24 مارس 1933م، ولم يستسلموا إلا بعد أن استنفدوا أساحتهم، ومقابل شروط قدمها عسو اوبسلام للفرنسيين.
قبائل جبالة والريف: تزعم محمد بن عبد الكريم الخطابي المقاومة المسلحة الريفية التي حققت نصرا كبيرا في معركة أنوال يوم 21 يوليوز 1921م ضد الاحتلال الاسباني بالشمال المغربي، وبعد هذه المعركة تحالفت إسبانيا مع فرنسا وشنتا حربا عسكرية استعملت فيها الغازات الكيماوية، فاستسلم محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 27 ماي 1926م. كما قاد أحمد أخريرو مقاومة قبائل جبالة بالشمال الغربي من المغرب ضد الاحتلال الإسباني إلى أن استشهد يوم 3 نونبر 1926م.
2 – مظاهر صمود المقاومة المسلحة واستماتتها في مواجهة الاحتلالين الفرنسي والاسباني:
تطلب احتلال المغرب عسكريا من طرف سلطات الحماية 22 سنة من العمل العسكري (من 1912م إلى 1934م)، وذلك بفضل قوة المقاومة المسلحة المغربية وحسن تنظيمها، رغم استعمالها لوسائل وأسلحة تقليدية بسيطة وأسلحة الغنائم العسكرية من المعارك كما هو الشأن في معركة الهري وأنوال مقارنة مع التفوق العسكري للمحتل، المكون من جيش نظامي مجهز بأسلحة متطورة نارية ودبابات وطائرات، إضافة إلى ارتفاع الروح القتالية للقبائل والتفافها حول زعماء المقاومة، وهو ما حاولت فرنسا ضربه بخلق التفرقة (سياسة فرق تسد) بين مكونات المجتمع المغربي من أمازيغ وعرب بإصدارها للظهير البربري سنة 1930م، إلا أن المغاربة أفشلوه وزاد من شعورهم الوطني المغربي، وبنهاية المقاومة المسلحة سنة 1934م دخلت المقاومة المغربية مرحلة المقاومة السياسة إلى جانب العمل المسلح بقيادة الأحزاب السياسة.

خاتمة: تعرض المغرب للاستعمار بعد توقيع معاهدة الحماية، وشهدت البلاد مقاومة مسلحة استمرت إلى غاية 1934م، ووضع الاستعمار أجهزة إدارية لتسهيل عملية الاستغلال بالمغرب.

مواضيع ذات صلة

Previous
Next Post »