تصفية الاستعمار وبروز العالم الثالث
تقديم إشكالي:
تعد ظاهرة تصفية الاستعمار من السمات الكبرى التي
طبعت العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى بروز
كيانات دولية جديدة تحت مسمى العالم الثالث.
فما هي ظروف وعوامل هذه
الظاهرة ؟ وما خصائصها الكبرى من خلال نضال بعض الحركات التحررية ؟ وما
مشاكل العالم الثالث غداة الاستقلال، وأهم التكتلات الإقليمية التي عرفها
هذت العالم ؟
ظروف وعوامل تصفية الاستعمار وخصائصها:
ظروف وعوامل تصفية الاستعمار:
دور الاستغلال الاستعماري في تصاعد الحركات التحررية ضد الأنظمة
الاستعمارية: خلف ذلك الاستغلال آثارا اقتصادية واجتماعية على شعوب
المستعمرات وأيقظ الوعي التحرري لديها.
دور المؤسسات والاتفاقيات الدولية: كانت تصدر عن هاته الأخيرة قرارات تنادي بتعجيل تصفية الاستعمار ، أبرزها:
المبادئ الأربعة عشر للرئيس ولسن التي دعا من خلالها إلى ضمان حق الشعوب
في تقرير المصير. وقد قوبلت هاته المدونة بترحيب كبير في معظم دول العالم
الثالث.
الميثاق الأطلسي 1941: وقعته كل من و.م.أ وبريطانيا الذي يقضي
باعتراف الجانبان بحق الشعوب في تقرير المصير، وذلك في سياق حربهما على
النازية.
اهتمام هيئة الأمم المتحدة بتصفية الاستعمار من خلال إقرارها
بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات العامة.
دور القطبية الثنائية في إذكاء الحركات التحررية في العالم: عمل الاتحاد
السوفيتي على دعم الحركات التحررية ( الفيتنام في مواجهة الاحتلال لفرنسي
)، بينما عملت و.م.أعلى دعم الأنظمة الرأسمالية وذلك في إطار الاستقطاب إما
إلى المعسكر الرأسمالي أو الاشتراكي.
الخصائص الكبرى لتصفية الاستعمار من خلال بعض الحركات التحررية في العالم:
النموذج الهندي (آسيا):واجهت الحركة الهندية الاحتلال البريطاني عن طريق
مقاومة سياسية برز فيها حزب المؤتمر الوطني بزعامة غاندي الذي انتهج أسلوبا
خاصا في مكافحة التواجد البريطاني ، والذي تميز بالخصائص التالية:
الطابع المدني لهذه الحركة التحررية وعدم استعمال العنف، أو ما يصطلح عليه
بالعصيان المدني (عدم التعامل مع الإنجليز، مقاطعة البضائع الأجنبية،
الاعتماد على الإمكانيات الذاتية، التضامن الداخلي وتجنب الخلافات
الطائفية..)
المشاركة الواسعة لكافة أطياف المجتمع الهندي بفضل التأطير التي قامت به الأحزاب السياسية المناهضة للاحتلال.
⇦ بفضل هذا الأسلوب استطاعت الهند انتزاع استقلالها سنة 1947.
النموذج الجزائري: في فاتح نونبر 1954 انطلق الكفاح المسلح ضد الاحتلال
الفرنسي بتنفيذ عمليات مسلحة في منطقة القبائل وقسنطينة، ثم امتد ليشمل
كافة التراب الجزائري.
وعلى الرغم من التدابير الأمنية التب اتخذتها
سلطات الاحتلال من أجل الحفاظ على وجودها بالجزائر، ازدادت شدة الكفاح
المسلح، حيث تمكنت "جبهة التحرير" من تحقيق انتصارات أضرت بعملاء الاستعمار
ومنشآته الاقتصادية والإدارية، لينتهي الأمر باعتراف فرنسا باستقلال
الجزائر سنة 1962 بعدما كلفها زهاء المليوني شهيد.
مشاكل دول العالم الثالث غداة الاستقلال وبعض تكتلاتها الإقليمية:
بروز العالم الثالث وحركة عدم الانحياز، والمشاكل المرتبطة به:
في خضم الحرب الباردة وبعد حصول المستعمرات على استقلالها، برز مصطلح
العالم الثالث سنة 1952 على لسان الصحفي الفرنسي ألفريد سوفي (شبهه بالهيئة
الثالثة: عمال، فلاحون، جنود..). وقد عملت هذه الدول الحديثة العهد
بالاستقلال على تجنب الوقوع تحت سيطرة أحد المعسكرين، وأن تصبح غير منحازة
لأي من الكتلتين.
وفي هذا السياق نشأت بذور حركة عدم الانحياز التي
تبلورت في البداية في مؤتمر البلدان الأفرو-أسيوية في باندونج بإندونيسيا
سنة 1955، والتي اتخذت قرار عدم الانحياز في مواقفها إلى أحد المعسكرين
المتصارعين.
وقد حدد مؤتمر باندونج أهداف الحركة يما يلي:
احترام حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة.
احترام سيادة الدول.
تسوية الخلافات الدولية بالطرق الدبلوماسية.
⇦عرفت هذه المنظمة تطورا كميا بانضمام البلدان المستقلة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وعرفت الفترة التي تلت استقلال دول العالم الثالث، جملة من المشاكل نجملها فيما يلي:
صراعات عرقية طائفية وسياسية.
الانقسامات السياسية ومشاكل الحدود الموروثة عن الاستعمار.
المشاكل الديمغرافية: انفجار حضري، ارتفاع مؤشرات الفقر، الأمية، البطالة، الجريمة..
مشاكل المديونية...
التكتلات الإقليمية لدول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية:
جامعة الدول العربية: تأسست من طرف سبع دول بموجب برتوكول الاسكندرية يوم
22 مارس 1945 (سوريا، السعودية، لبنان، الأردن، العراق، اليمن، مصر) –
المغرب التحق 1958 -. وقد هدفت الدول العربية المشاركة إلى: توطيد الصلات
بينها، حل النزاعات بالطرق السلمية، احترام سيادة كل دولة، مساندة الدول
العربية المستعمرة للظفر باستقلالها..
رابطة دول جنوب شرق آسيا: تأسست
بموجب إعلان بانكوك سنة 1967 من طرف ست دول (بروناي، الفلبين، إندونيسيا،
ماليزيا، تايلاند، وسنغافورة). ويهدف الاتفاق إلى:
التصدي للمد الشيوعي في المنطقة.
تقوية الروابط التضامنية بين دول المنطقة.
تسوية النزاعات الحدودية والتخفيف من حدتها.
تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الرابطة من خلال إقامة منطقة للتبادل الحر (إعلان سنغافورة 9 يناير 1992)
خاتمة:
نستنتج ان ظاهرة تصفية الاستعمار، شكلت حدثا حاسما في تطور العلاقات
الدولية المعاصرة، تمثلت في بروز كيانات جديدة لها مشاكلها الخاصة
وأساليبها في التصدي لها من أجل بناء الدولة الحديثة.